قلب الخريف - ياسين أبو خصرين
نائم ملتحف أسمال الحزن الرثّة، وهائم في خواطر الغياب السرمدية، أفكّر في غدٍ وبعد غدٍ، ولا شيء يقوّم رأسي ويهديه للتفكير في لحظته الآنية، فالسعادة شقيقة الآن...ليس البارحة ولا الغد....إلى أن شعرت فجأةً بانثيال نسمات الخريف اللافحة على خدّي المتوهّج، فيأتيني خاطر أن أذهب للنافذة كي أستشرف الخريف بأوراقه المكحّلة لأجفان الريح، وطيوره المسربلة بعباءة الندى، وغيومه السابحة في رحم السماء!
هرعت صوب الشرفة حيث أضع فنجاني على الحافّة وأبدأ بتأمّل جمال الكون، وكما سمّى تولستوي كتابه اللاهوتي (ملكوت الربّ في داخلك) سميّت صباحاتي قبالة شرفتك ملكوت الجمال في ملمحك، حيث أرى أول ما أرى ستارةً من ضباب تتكثّف حول شرفتك قبالتي، وهذا الضباب يأخذ فجأةً بالانكشاف والتقشّع لينبلج من بين طيّاته المسدورة بصيص واهج، ما يلبث أن يكتمل اخضلاله وتفوح فتنته ويراق أثيره وينسكب سحره ليترسّم على صورة وجهك الملائكي، ذلك الوجه المحاك من نسيج الخلود وميثولوجيا الجمال وأساطير الفتنة، فأنت فينوس الرومان، وإفروديت اليونان، وعشتروت الفينيقيين، وعشتار بابل، وحينما يكتمل سطوعك التامّ تلفحني موجةٌ من تفاؤل تأخذ بالترقّق في مجرى دمي، ثمّ تتحول لتنهيدة حبٍّ دافئةٍ تندّ عن صدري المتولّه، وتتوشّى كإسبالة ملطخّة بالعنبر تتبدّى على أجفاني الحالمة.
تطلقين تنهيدة صوتك للريح فيمتزج مع عروق الهواء، ويدور في نبضات الشجر، ويدقّ في قلب السماء!
وبعد برهةٍ من التأمل الدقيق للوحة فتنتك النديّة، ينكسر وسواسي القهري الناكس، يروق مزاجي اللاهب المتموّج، تهدأ خواطري المتمخّضة العسيرة، تنردم ثقوب خيالي السوداء، وتستكين ارتعاشات كوابيسي المضطرمة، وترجع ذرات روحي المؤكسدة، وتنطلق أطياف ذهني الحبيسة.....وفجأة أرى جسدي الذابل القاحل الناحل المغتمّ المتهاوي المنكفئ المرصوص بالعقد والوساوس، تحوّل لخيال طافٍ سابح سارح هائم حر طليق، و متوهّج كما شمس الصيف ولكن في قلب الخريف!
تعليقات
إرسال تعليق